سائل يسأل بقوله: أنا رجل أتعامل مع الناس كواسطة بينهم، وجاء إليَّ إنسان، وقال: "تَوسَّطْ لي عند شخص معين؛ يقرضني مبلغ كذا وكذا من المال، وأعطيك مقابل وساطتك مبلغ كذا وكذا"، فذهبت للشخص، فوافق بشرط أن أضمن له المبلغ من مالي. فهل تحل هذه المعاملة أم لا؟
المشهور عند فقهائنا رحمهم الله التفريق بين: أن يقترض له بجاهه مقابل مبلغ يدفعه له، أو يضمن عنه مقابل المبلغ، فأجازوها في مسألة القرض دون الضمان.
قالوا: والفرق بينهما: أنه في الضمان يكون كقرض جرَّ نفعاً؛ لأنه إذا حلَّ الأجل فأداه الضامن، صار المبلغ كالقرض له في ذمة المضمون عنه، فإذا أخذ عوضاً عن ضمانه زيادة عما دفعه عنه، صار كقرضٍ جرّ نفعاً؛ فمنعوه لذلك بخلاف القرض؛ لأنه في مقابله ما يبذله من جاهه.
وقال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي في: (فتاويه السعدية) (1): "في هذا نظر، ولو قيل بأخذ الجُعل على الكفالة لا عن الاقتراض لكان أولى؛ فإن الاقتراض من جنس الشفاعة، وقد نهى الشارع عن أخذ الجعل فيها، وأما الكفالة فلا محذور فيها، ولكن الأولى عدم ذلك" انتهى.
قلت: ومراده بقوله: "نهى الشارع عن أخذ الجعل على الشفاعة": ما رواه أبو داود، وغيره، عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من شفع لأخيه شفاعة، فأهدى له هدية عليها فقَبِلَها، فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا" (2) وفي إسناده مقال، قال الشارح: لأن الشفاعة الحسنة مندوب إليها، وقد تكون واجبة، فأخذ الهدية عليها يضيع أجرها، كما أن الربا يضيع الحلال، فعلى هذا لا يجوز لك أخذ مبلغ على اقتراضك عنه، ولا على ضمانك عنه، والله أعلم.