يساعد الحاجبان طالب الانضمام إلى الماسونية على الركوع أمام الرئيس الأعظم فيما يتعانق فوق رأسه رمحان يمسك بهما الحاجبان يشكلان زاوية قائمة.
الرئيس: أيها الإله القادر على كل شىء، القاهر فوق عباده، أنعم علينا بعنايتك، وتجلّ على هذه الحضرة، ووفّق عبدك هذا الطالب الدخول فى عشيرة البنّائين الأحرار إلى صرف حياته إلى طاعتك، ليكون لنا أخاً مخلصاً حقيقياً.. آمين.. أيها الطالب، بسام، إذا وقعت فى مصيبة أو بُليت بخطر فإلى من تلجأ؟
الطالب (بعد أن همس الحاجب فى أذنه): إلى الله.
الرئيس: انهض، أيها الطالب، فإنه لا يخشى المهالك من يعتمد على الله.
ينهض الطالب فيستطرد الرئيس الأعظم.
الرئيس: أتقر إقراراً صادراً عن شرف نفس بأنك لست مغروراً ولا طامعاً فى أمر، وبأنه ليس ثمة باعث من هذه الأغراض على طلبك الانضمام إلى عشيرة البنّائين الأحرار؟
الطالب: نعم، أقر.
الرئيس: وهل تتعهد تعهداً ناشئاً عن شرف نفس بأن تستمر بعد انضمامك إلى هذه العشيرة فى القيام بالعادات الماسونية القديمة والحضور إلى الاجتماعات ومشاركة الإخوان؟
الطالب: نعم، أتعهد.
الرئيس: أيها الطالب، يجب علىّ أن أنبهك إلى أن الماسونى الحر يربأ بنفسه عن الدخول فى مناقشة موضوعات الدين أو تيارات السياسة، فهل أنت إذاً راغب باختيارك ومحض إرادتك فى التعهد تعهداً وثيقاً مبنياً على المبادئ المتقدم ذكرها بأن تحفظ أسرار هذه العشيرة وتصونها؟
الطالب: نعم، أتعهد.
الرئيس: إذاً فلتركع على ركبتك اليسرى.. قدمك اليمنى تشكل مربعاً.. (يقوم الطالب بالتنفيذ).. أعطنى يدك اليمنى (يتناولها الرئيس ويضعها على الكتاب المقدس) فيما تمسك يدك اليسرى بهذا الفرجار وتوجه سنانه نحو ثديك الأيسر العارى.. ردد ورائى.. يارب كن معينى.. وامنحنى الثبات على هذا القسَم العظيم.. الذى صدر منى فى درجة المبتدى.. بحضرة البنّائين الأحرار.. آمين. (بعدما يردد الطالب ما تقدم يستطرد الرئيس).. فلتقم الآن بتقبيل الكتاب المقدس.
يقوم الطالب بتقبيل الكتاب المقدس ثم يساعده الحاجبان على النهوض ويخلعان عن وجهه عُصابة العينين.
الرئيس: أيها المستنير، أنت الآن على وشك الاطلاع على أسرار الدرجة الأولى للبنائين الأحرار، فليساعدك الرب.
إذا حاولت الهرب فإن عقابك سيكون إما بالطعن أو بالشنق. الآن، وأنت تنضم إلى هذا المحفل الماسونى، يصطك هذا الخنجر (يوجه الخنجر نحو صدر الطالب) بثديك الأيسر العارى، فإذا حاولت القفز إلى الأمام تكون أنت قاتل نفسك بالطعن، وإذا حاولت التراجع فى يوم من الأيام ينشد هذا الحبل حول رقبتك من وراء فتكون أنت قاتل نفسك بالشنق.
فإذا لم يكن هذا أو ذاك فإن العقوبة البدنية التى تقع عليك، كما هو معروف من تاريخ الماسونية، هى قطع رقبتك من جذورها إذا أفشيت سراً من أسرار البنائين الأحرار. فإذا كنت لا تزال غير متأكد من قدرتك على حفظ أسرار الماسونية فهذه فرصتك للتراجع، وإلا فليساعدك الرب.
هكذا تبدأ حياة الطالب بسام داخل الماسونية، لكن أحداً لا يدرى على وجه الدقة متى بدأت الماسونية. يقول الماسونيون أنفسهم إن أسرار المهنة وصلت إلى إنجلترا عام ٩٢٦، ويفتخرون بمن يسمون «فرسان الهيكل». وفرسان الهيكل هؤلاء كانوا يمثلون قوام تشكيل عسكرى مبنى على أساس دينى شارك مع الصليبيين فى محاربة العرب المسلمين.
غير أن الفارق أن الصليبى كان يشارك فى «الجهاد» ضد العرب لعام أو لنصف العام ثم يغادر عائداً إلى بلاده، فيما كان يشارك فرسان الهيكل بنية البقاء فى بلادنا حتى الممات مسؤولين فقط أمام رئيسهم الأعظم. هدفهم الأسمى هو المسجد الأقصى حيث يعتقدون أنه بُنى تماماً فوق هيكل سليمان عليه السلام، إن كان لهذا وجود.
وبالنظر إلى أن هيكل سليمان هو الصرح الوحيد الذى وصف تفصيلاً فى التوراة فإن الماسونية، التى كانت تنظم نفسها فى أواخر القرن السادس عشر وبدايات القرن السابع عشر، اتخذت من التوراة مصدراً للمحاكاة والترميز كى يتغلبوا على عائق الأمية بالرجوع إلى مصدر يلجأ إليه الناس كل يوم فى صلواتهم. يزعم المتحدث باسم المحفل الأعظم فى لندن، جون هاميل، أن «ذلك صب فى مبدأ الماسونية، وهو أن تصنع من الإنسان الطيب إنساناً أطيب وأن تكون لديك قيم أخلاقية»، لكنه لا يشرح لنا كيف استطاعت الماسونية أن تصل إلى قيم أخلاقية لا توجد فى التوراة.
يشكك المؤرخون فى هدف الماسونية من وراء التمسح بالدين. من هؤلاء أستاذ التاريخ بجامعة جولدسميث البريطانية، جون شو: «هذه نظريات تاريخية تزعم أن الماسونية تعود إلى فجر الأديان السماوية وترتبط بأشياء منها تشييد هيكل سليمان وبناء الأهرامات، وقد وضع ذلك كله بواسطة الماسونيين فى سياق دينى فى إطار فضفاض من الرموز والطقوس المرتبطة بتفاصيل المهنة».
أصبح فرسان الهيكل أوسع الملاك ثراء فى الأراضى المقدسة، وصارت لهم سفنهم وأسلحتهم وأجهزة استخباراتهم، وطوروا أساليب سرية للاتصال والتعارف. وفى عام ١٢٩٢ أخرج المسلمون الصليبيين ففقد فرسان الهيكل أساس وجودهم.
«لدرجة أن زعماء الماسونية حرّموا على من يلتحق بها، فى عهد البابا إكليموندس الثانى عشر، أى فى عام ١٧٣٨، حرّموا عليهم أن يتقدموا إلى الكنيسة لممارسة طقوس الاعتراف من أجل التوبة التى هى جزء لا يتجزأ من العقيدة الكاثوليكية»، ينفعل الأب جون بول أبوغزالة، فى حديثه إلينا من داخل أبرشية بيروت المارونية، وهو يتذكر التاريخ البعيد للماسونية، لكنّ لدى أستاذ التاريخ فى الجامعة اللبنانية، د. حسان حلاق، مزيداً من الضوء على تاريخ الماسونية الحديث: «إذا حاولنا دراسة الذين أسسوا جمعية الاتحاد والترقى، وهى جمعية علمانية لا تزال مبادئها حتى اليوم متجذرة فى تركيا، نجد أن الوثائق الدبلوماسية البريطانية، متمثلة فى مراسلات السفير البريطانى فى اسطنبول إلى وزارة الخارجية البريطانية، تؤكد الارتباط الكلى الوثيق بين الماسونية والحركة الصهيونية واليهود والدونما (اليهود المتظاهرين بالإسلام) وجمعية الاتحاد والترقى.
يرمز الحرف اللاتينى G ، الذى تراه منتشراً على جدران المحافل الماسونية وفى أدبياتها، إلى الكلمة الإنجليزية التى تعنى بالعربية هندسة Geometry، وبعضهم يقول إنها ترمز أيضاً إلى لفظ الجلالة God. لكن إلههم ليس بالضرورة إله موسى وعيسى ومحمد، بل هو «مهندس الكون الأعظم»، ولك أنت حرية تحديد من يمكن أن ينطبق عليه هذا الوصف.
قد يكون سليمان عليه السلام، وقد يكون «حيرام أبى» الذى استعان به سليمان على بناء الهيكل وقد يكون إبليس وقد يكون الله، بغض النظر عما يعنيه لفظ الجلالة فى خاطرك، وقد يكون أنت نفسك. أما أهم رموز الماسونية على الإطلاق فهو المربع الناتج من التقاء الزاوية القائمة بالفرجار المفتوح، لكن الماسونيين أنفسهم يعترفون بأن هذا الرمز تطور أصلاً عن نجمة داوود.