رحلة الرحالة الألماني كارستن نيبور من السويس إلى جدة عام 1762
قمت برحلة علمية خاصة إلى كوبنهاغن عاصمة الدانمارك في الفترة ما بين 14 – 31 من شهر تموز عام 1989 لغرض فحص و فهرسة المخطوطات العربية في الطب و الصيدلة المحفوظة في خزانة المكتبة الملكية بمدينة كوبنهاغن و زيارة جامعة كوبنهاغن خاصة معهد الدراسات الشرقية للإطلاع على مركز الرحالة الألماني الشهير كارستن نيبور الذي قام مع زملائه بأمر من الملك فريدريك الخامس لإرسال البعثة والصادر في 10 / 12 / 1760 إلى الدول العربية بغية الإطلاع على الثقافات و العلوم و إيجاد طرق و مراكز تجارية . (راجع تفاصيل مقالة ستي .ت .راسموسن أدناه للإطلاع على تعليمات الملك فريدريك الخامس المشددة ، الفقرة العاشرة ، كيفية التعامل مع العرب و المسلمين واحترام الدين الإسلامي ) .
كما كان من هدف رحلتي إلى كوبنهاغن هو زيارة مجموعة ديفيد التي تضم نفائس القطع الفنية الإسلامية و الإصطرلاب والربع المجيب و السجاد و أواني الفخار و الزجاح و البلاطات النادرة .
زرت جامعة كوبنهاغن و تعرفت على السيد ستيغ ت . راسموسن Stig Rasmussen المسؤول عن القسم العربي و سألته عما إذا كان بإمكاني الإطلاع على مخلفات و كتب و رسائل و أجهزة الرحالة كارستن نيبور ، فأعتذر لي بأن المركز الخاص بكارستن نيبور لا زال قيد البناء و الإعمار ، لكنه أهدى لي نسخة واحدة من كتالوغ لمعرض مشترك بين المكتبة الملكية في كوبنهاغن و بين مكتبة كيل الألمانية أقيم في مدينة كيل في الفترة الواقعة بين شهر نوفمبر 1986 – فبراير 1987 ، فيه معلومات و صور عن الرحلة العربية لكارستن نيبور بعنوان : كارستن نيبور و الرحلة العربية 1761 – 1767
( Carsten Niebuhr und die Arabische Reise 1761-1767 ) .
أنهيت فحص كافة المخطوطات العربية في الطب والصيدلة و إعداد الفهرس لها ، ثم قمت بزيارة مجموعة ديفيد التي كما ذكرت أعلاه تحتوي على أنفس القطع الفنية الإسلامية التي تبهر ناظرها ، فقمت بتصويرها بكامراتي و لعدة أفلام . كما زرت متحف الأسلحة و المتحف الوطني في حينه ، حيث وجدت سيوف وأسلحة إسلامية مرصعة بالأحجار الكريمة .
طبع فهرس عن المخطوطات الطبية في الكويت عام 1990 ضمن منشورات مركز المخطوطات و التراث و الوثائق .
ولكثرة إهتماماتي بالترجمة و التأليف و فهرسة المخطوطات العربية و السفر ، بقى موضوع رحلة كاستن نيبور هادئا ، لكني قمت بطلب مجلداته الثلاثة من مكتبة الجامعة و مكتبة معهد الجغرافية لقرائتها و الإطلاع عليها ، حيث قمت باستنساخها برفق و بتجليدها ، لكني تركت في حينه موضوع إستنساخ الصور و الخرائط لكبر حجمها .
و عندما سافرت مع زوجتي في شهر تموز عام 2001 إلى بحر الشمال لقضاء عطلتنا ، قمنا بزيارة بعض المتاحف و أحد المراصد الفلكية الذي رافقنا بروفسور ألماني كبير في السن و متقاعد ، دار الحديث بيني و بينه عن الرحالة الألماني العظيم كارستن نيبور . قال لي البروفسور بأنه يعرف أن كارستن نيبور كان يعيش مع عائلته بالقرب من مدينته ، لذا نصحني أن أذهب إلى أرشيف مدينة أتوندورف Ottendorf الواقعة على البحر ، للحصول على سيرة حياة كارستن نيبور و بعض المعلومات القيمة .
وفي اليوم الثاني غيرنا منهج رحلتنا و توجهنا إلى مدينة أتوندورف و زرنا الأرشيف .
أخبرني المسؤول عن الأرشيف بأن أكثر الوثائق الخاصة بكارستن نيبور محفوظة في أرشيق كوكسهافن Cuxhaven و في الدانمارك و في مكتبة كيل ، و أخبرني أن كارستن نيبور دفن في قرية تبعد عن هذه المدينة حوالي 30 كيلومترا ، و وعدني بإستنساخ سيرة حياته .
سافرنا مباشرة بعد خروجنا من الأرشيف إلى القرية ، إلا أننا للأسف الشديد لم نجد شخصا يدلنا على قبر كارستن نيبور أو على ما تبقى من آثار بيت عائلته .
بدأت قبل اسبوع بأستنساخ صور و خرائط كتب كارستن نيبور الثلاثة وكنت أقضي ست ساعات يوميا لتصويرها و بحذر شديد ، لأن الكتب قديمة جدا أولا ، و أن الخرائط كبيرة و مطوية ثانيا . ثم قمت بتحليدها شخصيا .
لم يكن لدي ستوديو و أجهزة إنارة كافية و حوامل للكامرات ، إلا أني قمت بتصوير الصور و الخرائط الكبيرة بكامرتي الديجيتال .
وحتى هذه الصور أتعبتني كثيرا عند تصغير أحجامها .
وللإطلاع على الأوامر الملكية الصادرة عن الملك فريدريك الخامس ، إليكم نصا من مقالة الأستاذ ستيغ راسموسن :
( الرحلة العربية 1761-1767
Author: Stig T. Rasmussen
نص من مقال ستي. ت. راسموسن حول ( رحلات في بلاد فارس والجزيرة العربية في القرن الثامن عشر و التاسع عشر- تتبع الإستكشافات العلمية للعالم الإسلامي"، نشر في الرحلة العربية: الروابط الدانماركية بالعالم الإسلامي عبر ألف عام. موسكورد،1996.
شروط واستعدادات الرحلة
تضاعفت خلال القرن السابع عشر والجزء الأكبر من القرن الثامن عشر معرفة أوربا بشأن البلدان والثقافات النائية، وذلك نتيجة لجهود البلدان التي تعتمد في تجارتها على الملاحة من أجل إيجاد طرق ومراكز تجارية جديدة، كما بدا واضحا في الفصل الذي كتبه كل من Adam Olearius و Frederik Ludvig Norden. ذلك جلا واضحا أيضا في وصف العديد من الرحلات التي نشرت من قبل الإنكليز، الهولنديين، والفرنسيين. خلال القرن الثامن عشر زادت الحاجة إلى المعرفة النظرية أكثر من المعرفة النفعية الجاهزة للعالم. الانتقائية العشوائية والمشاهدات الشخصية الملونة أدت أيضا إلى البحث العقلاني والوصف المنظم.
في منتصف القرن الثامن عشر تمتع الملك فريديريك الخامس Frederik V ووزيره بسمعة وسط أوربا بأنهم رعاة فن. وكان هذا في البال عندما اقترح البروفسور Johann David Michaëlis في Göttingen، ألمانيا على Johann Hartwig Ernst von Bernstorff في Tydske Kancelli ( ما يطلق عليه وزارة الخارجية أنذاك) ، إن على الملك أن يرسل ببعثة استكشافية إلى البلدان المجهولة، ما كان يزعم في التاريخ القديم بالعربية السعيدة.
لقد عزز Michaëlisطلبه بالنظر إلى المقترح وفق ما جاء في الإنجيل بهذا الخصوص: " طبيعة هذه البلدان مازالت غنية بإمكانياتها و والتي نجهلها نحن": هذه القصة تعود إلى عهد قديم جدا، اللهجة فيها تختلف عن العربية الغربية التي نعرفها. هذا كان أهم الأدوات حتى الآن التي مكنتنا من فهم العبرية. أية إضاءة لا نتوقعها تُلقى على الإنجيل، أهم كتب العهد القديم، والتي علمتنا اللهجة الشرقية للجزيرة العربية كما عرفنا الغربية.
الإقتراح الأصلي كان بإرسال رجل إلى اليمن من ترانكابار في الهند، ولكن خلال أربعة أعوام تطورت الفكرة إلى رحلة استكشافية علمية متكونة من خمسة رجال جذبوا اهتمام كل عالم العلم الأوربي. بدأت الأسئلة التي كان يجب الإجابة عليها بالتدفق، كذلك المقترحات للمشاهدات التي يجب أن تُتخذ. Michëlisهيأ قائمة بالأسئلة العلمية التي كان يأمل أن يجاب عليها خلال الرحلة، وتم نشرها في Fragen an eine Gesellschaft gelehrter Männer , die auf Befehl Ihro Majestät des Königes von Dännemark nach Arabien reisen, Franfurt a. M.1762. هذا الوصف شمل سلسلة طويلة من الأسئلة المختلفة بما يخص التاريخ، التاريخ الطبيعي، وفقه اللغة ( وزود بكتالوج جميل يضم ما لم يكن معروفا أنذاك).
الأعضاء المشاركون في الرحلة
شارك في الرحلة ستة أعضاء
العالم السويدي في العلوم الطبيعية Peter Forskål تلميذ Carl von Linné : أحد الأهداف الرئيسية• لبحوث بيتر فورسكول كان إيجاد إثباتات مدعمة لسلسة من النقاط التي جاء بها لينيه.
عالم اللغة Frederik Christian von Haven والذي كانت مهمته شراء مخطوطات شرقية للمكتبة الملكية• في كوبنهاجن، ونسخ الكتابات التي يعثر عليها في طريقه، وتسجيل مشاهدات حول استخدامات اللغة العربية- الهدف الرئيسي فيها إلقاء الضوء على بعض الجوانب الغامضة في الكتاب المقدس.
الخرائطي Carsten Niebuhr الذي كانت مهمته هي المشاهدة وأخذ القياسات لغرض رسم الخرائط للمناطق• الجغرافية المكتشفة وغير المكتشفة.
الطبيب Christian Carl Kramer الذي كانت لديه العديد من المهمات الطبية الملقاة على عاتقه،• سواء العلمية أو على المستوى التطبيق العملي- بين العرب أيضا.
الفنان والرسام Georg Wilhelm Baurenfeind الذي كانت مهمته رسم ما يجده الآخرين، بالأخص بحوث• بيتر فورسكول حول النباتات والحيوانات من التي يسهل ضياعها.
وأخيرا اشترك معهم الجندي السويدي من سلاح الفرسان المدعو Berggren لضبط النظام.•
.