مواقف تربوية
الموقف التربوي رقم (1)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
بطل هذا الموقف رجل كبير في السن ، رغم أُمِيَتِهِ إلا أنه يمتلك فكراً واعياً وعقلاً ثاقباً ونظرة بعيدة للأمور ، بطلنا هذا يعمل فلاحاً بسيطاً ، وله سبعة من الأولاد ، اعتاد مكافأتهم عند النجاح في نهاية كل عام بمبلغ مائة ريال ، وفي أحد الأعوام نجح ستة من أبنائه وأخفق السابع في النجاح ، بل أعاد السنة ، فمنح الأب أبنائه الستة المكافأة المعتادة ، فسخروا من شقيقهم السابع الذي لم ينجح سخرية شديدة أدخلت الحزن إلى قلبه واليأس إلى نفسه ، فحزن الأب لحزن ابنه وتألم لألمه ، وفكر في انتشاله من هذا الحزن واليأس ، فما كان من الأب الحكيم إلا أن دفع لابنه الحزين اليائس ضعف المكافأة التي دفعها لاخوته الناجحين ، فكانت هذه المكافأة وهذا الموقف الرائع من الأب بمثابة المصباح الذي أضاء طريق النجاح لهذا الابن ، فاستمر في النجاح تلو الآخر وبتفوق حتى حصل على درجة الدكتوراه ، واليوم هو عضو هيئة تدريس بإحدى الجامعات المرموقة في بلادنا ، وحقق ماعجز إخوته عن تحقيقه ، حيث أن أفضلهم حالاً حصل على الشهادة الجامعية .
الدروس المُستفادة من هذا الموقف التربوي :
1- مبدأ الثواب والعقاب ذو أثر كبير على نفوس الأبناء ، ومن الحكمة اختيار مايتناسب منهما تبعاً للموقف الحاصل .
2- الحكمة والتروي والنظرة البعيدة للأمور تحقق مايعجر الكلام والعقاب عن تحقيقه .
3-استطاع الأب الحكيم انتشال ابنه من قاع الفشل إلى قمة النجاح بحكمته وبُعد نظره .
4- أعطى الأب أبنائه درساً عملياً في التأديب عندما سخروا من أخيهم .
5-اختصر الأب عشرات الكلمات التي كان سيقولها لكلا الطرفين بهذا الموقف التربوي الرائع .
الموقف التربوي رقم (2)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
بطل هذا الموقف مُعلم بالمرحلة الابتدائية رزقه الله الاستقامة على دينه ، فكان واعياً لدوره التربوي ، ناصحاً لتلاميذه ، مُحباً لهم ، قدوة في سلوكه ، مؤثراً في كلماته ، تفانى في عمله وأخلص فيه ، وأحب تلاميذه فأحبوه ، مزج بين تربيتهم وبين تعليمهم ، فكان تأثيره على تلاميذه كبيراً ، لدرجة أنه أصبح ميزان الصواب والخطأ عندهم ، فتشوقوا إلى الجنة من كثرة ماحدَّثهم عنها ، وخافوا من النار من كثرة ماحذرهم منها ، وأخبرهم أن الصلاة هَمُ المسلم لايفتر عنها ولايَمل ، فهي طريقه لهذه الجنة وهي نجاته من هذه النار ، فأصبحت الصلاة شُغْلَ تلاميذه الشاغل ، وكان من بين تلاميذه طفل من أُسرة مُترفة وتسكن في قصر مجاور للمدرسة ، فسأله المعلم عن والده ولماذا لانراه في المسجد ، فرد الطفل ببراءة : ولكن والدي لايصلي ياأستاذ وأنا كذلك ، ولكني لن أتركها بعد اليوم أبدا ، فلما عاد الطفل إلى منزله طلب من والدته أن تُوقظه لصلاة الفجر في المسجد ، فأخذت الأم الأمر بشيء من الهزل ، وعاد الطفل وردد على والدته : ولكني لن أذهب إلى المدرسة إذا لم توقظيني لصلاة الفجر ، ونسيت الأم أو تناست إيقاظ الابن لصلاة الفجر ، وأيقظته للمدرسة فرفض الذهاب للمدرسة ، وأمام إصرار الابن ماكان من الأم إلا أن أيقظته في اليوم التالي للصلاة ، ولكن حنان الأم وخوفها عليها منعها أن تدعه يذهب للمسجد وحده ، فأيقظت والده الذي لم يَعْتَدْ الصلاة ، فأخذ ابنه بالسيارة ووقف به عند باب المسجد وانتظره حتى أدى الصلاة وعاد ، ثم رجع به إلى المنزل ، واستمر الأب على هذه الحال عدة أيام وهو يذهب به للمسجد وينتظره عند باب المسجد حتى يُصلي ويعود ، عندها تحركت مشاعر الأب وانجلت عن بصره غشاوة الظلال ، فقال أذهب بهذا الطفل فيصلي وأنا أقف أنتظره والله إن هذا لهو الظلال ، هل هذا الطفل أنضج مني عقلاً ، أو أكثر مني رُشداً وشرح الله صدره للحق واستقام على شرع الله المطهر ، فصلُحَت الأسرة كلها بفضل الله تعالى ثم بصدق نية هذا المعلم وحسن تدبيره وأثره على هذا الطفل الصغير الذي لم يتجاوز الثامنة من عمره.
الدروس المُستفادة من هذا الموقف التربوي :
1- الإخلاص في القول والعمل ، وصِدق النية ، والإصرار والعزيمة وعُلو الهمة والقدرة على الإقناع تحقق للمرىء مايصبو إليه .
2- لإن يهدي الله بك رجلاً خير لك من حُمر النعم .
3-المُعلم مُربي قبل أن يكون معلماً .
الموقف التربوي رقم (3)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ... وبعد :
قرأتُ موقفاً تربوياً طريفاً ومضحكاً للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله .. وملخص هذا الموقف :
أنه رحمه الله تعالى حينما عُين معلماً في العراق وقد سبقته شهرته إلى المدرسة التي وُجه إليها وكان لا يزال شابا ، فوقف عند باب الفصل يهيئ نفسه للدخول على الطلاب ، فسمع المدرس داخل الفصل يثني عليه وما تميز به من الأدب والعلم فدخل الى الفصل بثقة وسرور ونسي مع دخوله الاستئذان على المعلم ، فلم يشعر المعلم إلا بهذا الشاب داخل الفصل يقطع عليه حديثه عن الشيخ علي الطنطاوي فالتفت إليه المعلم وقال : من أذن لك بالدخول يا حمار ؟ وألجمت هذه الكلمات الأستاذ الطنطاوي وكانت صدمة له صورتان متضداتان في ثوان معدودة ، فبينما كان يمدحه إذا به يشتمه ، لابد أن هذا المعلم سمع بالشيخ علي الطنطاوي ولكنه لا يعرف أن هذا الشيخ هو هذا الشاب الذي أمامه ، وشرد ذهن الشيخ أمام هذه التداعيات ولم يرجع إلا على صوت المعلم يخاطبه : سنعرف الآن أأنت أكثر علما أم الحمار؟ والقى عليه مباشرة سؤالا عن بيت من الشعر ، فانطلق فارس البيان في الجواب والتفصيل حول هذا البيت وقائله واستطرد في الحديث بصورة أدهشت المعلم حتى قال له: كأنك في علم وبيان الشيخ علي الطنطاوي ولكنك لست في صورته التي رسمتها له في ذهني فقال له : بل هذه الصورة الحقيقة لعلي الطنطاوي الذي سمعت عنه ولم تره .. إن هذا الموقف التربوي يدل على حلم الشيخ الطنطاوي وسعة صدره رغم ماتعرض له من إهانة صريحة.. ومع ذلك فلم يجاري زميله المعلم الآخر في اسلوبه رغم قدرته على النيل منه والتشفي لنفسه منه.. رحمه الله تعالى رحمة واسعة وجميع المسلمين .. والله من وراء القصد ...
الموقف التربوي رقم (4)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
بطل هذا الموقف هو ( ولي أمر ) بعكس الكثير من أولياء الأمور اليوم ، فقد وعى دوره التربوي تجاه ابنه حق الوعي ، وقدَّم حرصه على مستقبل ابنه على عواطفه ومشاعره الأبوية نحوه ، وما قد يواجهه هذا الابن من إحراجات ولوم وعقاب من إدارة المدرسة لقاء ماقام به من عمل مَشين .. ويبدأ موقف هذا الأب البطل قبل يومين من نهاية العام الدراسي الماضي عندما قفز ابنه من فوق سور المدرسة مُحاولاً الهرب على حين غفلة من المعلم المكلف بالإشراف على الطلاب ذلك اليوم ، فلما تنبه هذا المعلم إلى هروب الطالب من المدرسة حضر إليَّ مسرعاً وهو في حالة ذهول شديد .. كيف قفز هذا الطالب وجدار السور بهذا العلو .. كيف لم أنتبه إليه .. كيف قفز بهذه السرعة والخفة .. يبدوا أنني شردت كثيراً في التفكير بينما كان هذا الطالب يهم بالهروب ، فهدأتُ من روعه وطلبتُ منه أن يتأكد هل هو الطالب الوحيد الذي قفز من سور المدرسة ، وبينما كنت أحاول الاتصال بولي أمر الطالب الهارب ، فوجئت بولي الأمر واقفاً أمامي في غرفة الإدارة وهو يدفع ابنه الهارب من المدرسة أمامه دفعاً ، ويبدو أنه قد أشبعه توبيخاً وضرباً قبل أن يُحضره إلينا ، فقال لي بالحرف الواحد : هذا ابنكم ياأستاذ أخطأ في حقكم وفي حق نفسه .. وهو الآن ينتظر ماترونه بحقه من عقاب .. فتملكتني الدهشة والتعجب ، وقد أكون معذوراً في ذلك فمثل هذا الأب في هذا اليوم نادر الوجود ، فلقد اعتدنا أن يحضر الكثير من الأباء إلى المدرسة للتهديد والمُشَادة لأتفه الأسباب .. المعلم ضرب ابني – المعلم أكثر على ابني الواجبات – المعلم لم يحترم ابني ..
فَلِلَهِ دَرُ هذا الأب الذي قاد ابنه الهارب من المدرسة ودفع به لمدير المدرسة وطَالَبَ وبإصرار أن يُعاقَبَ ابنه على هذا الخطأ ، ولم يكتفي بتأديبه بنفسه ، فشكرته بحرارة وأثنيت عليه وعلى مايتمتع به من شجاعة وبُعد نظر ، فانصرف شاكراً ، وجلست مع الابن في حوار هادئ أجهش بعده بالبكاء واعترف بخطئه ، وأصبح من خيرة طلاب المدرسة هذا العام .
الدروس المُستفادة من هذا الموقف التربوي :
1- من ثمار تعاون البيت والمدرسة إصلاح الطالب وتهذيبه .
2- الأب الواعي بدوره يُسهم كثيراً في إنجاح دور المدرسة في التربية والتعليم.
3-أهمية تعريف الطالب بآثار خطئه واعترافه بذلك ، خطوة للاتجاه الصحيح والاستمرار عليه